السبت، 25 يونيو 2011

من نيرون روما إلى نيرون ليبيا !

إن المتأمل في صفحات التاريخ يجد منها ما هو مليء بالفظاعة والوحشية والقسوة، ومن أبرز الأمثلة في ذلك وأرقاها "نيرون" حاكم روما الذي أصبح رمزا للاستبداد والطغيان الذي يكون عليه الحكماء والزعماء الذين ما إن يتمركزوا في سدة الحكم يستعملون نفوذهم للتفنن في تعذيب الشعوب وإذاقتها ويلات الظلم والقهر.
ولد نيرون سنة 37م ووالده هو جناوس دوميتوس أهينوباريوس كان من النبلاء، أما والدته فهي أجربينا الصغرى الحفيدة الكبرى للإمبراطور أغسطس والتي تزوجت بالإمبراطور كلوديوس عام 49م بعدما توفي والد نيرون وتركه طفلا صغيرا فتبناه كلوديوس وجعله كابن له وأطلق عليه اسم نيرون كلوديوس قيصر دروسوس جرمانكوس. في عام 53م تزوج نيرون من أكتافيا ابنة كلوديوس من الزواج السابق، بعد ذلك بسنة مات كلوديوس تحت تأثير سم وضعته له أجربينا زوجته حتى يتمكن ابنها نيرون من اعتلاء عرش روما ويصبح إمبراطورا وتكون هي الحاكم الفعلي، وتحقق ذلك فعلا حيث اعتلى نيرون عرش الإمبراطورية الرومانية سنة 54م وكان في السادسة عشر من عمره آنذاك.
لقد تميزت السنوات الأولى من حكم نيرون بالاعتدال والاستقرار النسبي حيث عمل على السير سيرة حسنة في قومه، وعموما فهذا ما يفعله معظم الحكام يسعون إلى كسب رضا الشعب حتى تستقر لهم الأوضاع وتتهيأ لهم الأرضية الخصبة ثم بعد ذلك يكون همهم الوحيد هو قضاء مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة.
لم يدم هذا الاستقرار طويلا وبدأت رياح العنف والظلم تهب على روما بما لا يشتهيه شعبها خاصة وأن المثل يقول: "دوام الحال من المحال" فسرعان ما لجأ نيرون إلى أساليب جهنمية وحشية لغرض تأمين عرشه وتجنيبه كل ما يراه مضرا به ومهددا له فسفك دماء كل من اعتقد أنهم عقبة أمام تحقيق استقرار حكمه حيث بدأ ببرينانيكوس وهو ابن الإمبراطور السابق كونه منافسا له على العرش، كما رفض أن تكون أمه هي الحاكم الفعلي فقتلها لينتقل بعد ذلك إلى زوجته أكتافيا التي طلقها ثم قتلها هي الأخرى بل حتى أنه قتل معلمه سنيكا الفيلسوف الروماني الشهير حينما أكثر هذا الأخير من توبيخه محاولا تعديله وتقويمه فلما ضاق به ذرعا قرر قتله فدفعه بقراره هذا إلى الانتحار.
لم يتوقف بطش نيرون عند هذا الحد فاسمه ارتبط بالحريق المروع الذي أشعله والذي أتى على روما بمن فيها سنة 64م حيث دام لمدة عشرة أيام وكان ذلك رغبة منه في بناء بيت ذهبي وقصر ضخم وسط المنطقة المحترقة. وبينما كانت روما تحترق اعتلى نيرون برجا وأخذ يردد ألحان هوميروس مستوحيا لحنه من صراخ الأطفال والنساء وصيحات الاستغاثة وفي نهاية الأمر اتهم المسيحيين بإشعال الحريق ومارس اضطهادا كبيرا ضدهم.
وكما عودتنا القصص بأن لكل ظالم نهاية كانت نهاية نيرون حيث اجتمع عليه العديد من الناس الذين استاءوا من تصرفاته واتفقوا على عزله وتخلى عنه حرسه فقضى على حياته بنفسه وكان ذلك سنة 68م.
اليوم، يعيد التاريخ نفسه في حلة جديدة فأشباه نيرون كثيرون من الذين يدعون المسؤولية على أمن الناس وهم أول من يصنع الرعب والفزع في الأوساط، يدعون المسؤولية على مصالح الناس وهم أول من يهددها نتيجة تقديم المصلحة الذاتية أو الخاصة على العامة، كيف للمسؤول عن تطبيق القانون واحترامه بانتهاك القانون وخرق قواعده بممارسة الحرب على شعبه وممارسة التجويع والإفقار؟ حقا، إن محاولة فهم معادلة تجمع بين نقيضين لأمر بالغ الصعوبة فالعقل أصبح عاجزا عن الجمع بين مسؤولية البناء والوقوف خلف التخريب.
والآن أعتقد أننا قد وصلنا إلى بيت القصيد فملك ملوك وسلاطين وشيوخ وعمد أفريقيا وإمام المسلمين قائد الثورة الشعبية، عميد الحكام، رئيس الاتحاد الأفريقي ونيرون ليبيا! المسمى "معمر القذافي" الذي تربع على كرسي الحكم في ليبيا منذ أعقاب الملكية السنوسية أي منذ 42 سنة يعمل اليوم على تطبيق المعادلة النيرونية في أبشع صورها إذ يقدم على قتل شعبه من الأبرياء العزل في شتى المدن الليبية طرابلس وبنغازي وغيرها إلى درجة استدعائه للمرتزقة السود من مالي وزمبابوي لقتل شعبه فجُنده بما يمتلك من أسلحة لم يعد كاف لردعهم وإبادتهم.
أين الفرق في أن نقرأ عن نيرون أنه أحرق روما بمن فيها وبين القذافي الذي نسمع عنه ونرى أنه أعطى أوامره لسلاح الطيران الليبي بقصف المدن الليبية بساكنيها؟ أعتقد أن الرجل قد بلغ مرحلة من الجنون والهوس والطغيان فاق فيها كل أسلافه وأنه لا فرق البتة بين ما يقوم به هو وبين ما يقوم به الحلف الأطلسي في ليبيا فهو يساعدهم على تهديم البنية التحتية والتي كان التدخل العسكري مبرمجا لهذا الغرض حتى تنفرد الدول المتدخلة عسكريا بعملية الإعمار وهو ما يعود عليها فيما بعد بالأرباح الكثيرة وهذا ما يعرف بـ "نظرية الفوضى الخلاقة" والتي سأتعرض لها بالتفصيل في مقال مستقل.
إن الجماهير المعارضة الثائرة لن ترضخ أبدا لنيرون ليبيا الذي تشير تنبؤاتي إلى أن نهايته ستكون دون شك أشد من نهاية الطغاة من قبله فالقاعدة تقول أن العنف يولد الثورات التي تؤتي أكلها مع مرور الزمن وأن القذافي سيخرج من ساحة الحدث في ليبيا مباشرة إلى مزبلة التاريخ.
                                                                                             حسين
                                                                                                                    يوم 24/06/2011

الاثنين، 9 مايو 2011

معذرة زملائي !

انه ليحزنني ويملأ قلبي غيظا بعض التصرفات اللامسؤولة التي تصدر عن بعض الطلبة والتي لا تليق بمقام طالب علم بل هي على العكس من ذلك تذله وتحط من قيمته، فقد حدث وأن اتصل بي بعض الزملاء ليطلب مني –وكان ذلك يوم إلقاء عرضه- أن أحضِر له بعض عناوين المراجع ليضمّنها في بحثه من دون الرجوع إليها، وطالبة أخرى تنتظر زميلتها التي تعرض بحثها لتقوم بتسليمها إياه لتعيد عرضه دون علمها حتى بمحتوى ومضمون ذلك البحث، وهنا أجد نفسي أمام سؤال قد يبدو تافها بالنسبة لهؤلاء الذين قاموا بمثل هاته التصرفات وهو: أين هي الأمانة العلمية؟ إذا كان الباحث أو الدكتور يبيت ساهرا ليجمع عصارة فكره في كتاب يأمل من خلاله أن يكون نبراسا وسراجا منيرا لطلبة العلم في طريق تحصيلهم ثم بعد ذلك نجد بعض الطلبة يخلطون بين هذا وذاك وشغلهم الشاغل هو ملأ وتضمين بحوثهم بتراكمية من "التّخلاط" وكأنهم يأخدون من كل بحر قطرة ومن كل بستان زهرة. ثم عند إلقائهم لبحوثهم تبدأ العيوب المنهجية والمعرفية تطفو إلى ساحة المناقشة ما بين الأستاذ والطلبة وهنالك أجد المرتع الخصب لأشفي غليلي في التعبير عن تلك التصرفات لكن بطريقة غير مباشرة ليست مثل التي أسوقها الآن.
إن الشيء الذي يزيد الطين بلة هو أن هؤلاء وأمثالهم هم من نجدهم في الصف الأول عندما تكون هناك مسيرات وإضرابات مثل هاته الأخيرة التي حصلت ضد نظام الأل.أم.دي، وهم يجهلون أنهم يشاركون بصفة أساسية في فشل تطبيقه، إذ هذا النظام يطبق على الطلبة وبهم يتحدد نجاحه من عدمه, فإذا كانت المجتمعات تقوم بالدرجة الأولى على الموارد البشرية فكذلك الطلبة بالنسبة لنظام الأل.أم.دي.
إنني حين أخاطب زملائي وزميلاتي في مقاعد الجامعة باعتباري طالبا مثلهم فإنه لا يسعني وقتئذ إلا أن أنوّه بخطورة التقصير في حق العلم والعلماء إذ أن هذا التقصير لهو من الخطورة بمكان فهو سبب فشلنا وتهاوننا ووصولنا إلى ما نحن عليه الآن، والمتأمل بعين البصيرة يدرك تماما كلامي ويفهم ما أعنيه، فأنا أعتقد أن مقصودي لا يخفى على عاقل. ومن هنا وجب على كل منا الاعتدال فليس شرطا أن يكون الإنسان خارقا للعادة أو يكون ضعيفا بل المطلوب هو بذل الجهد المستطاع لتحقيق ما يمكن تحقيقه فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهذا يقودنا إلى الحديث عن النية والإخلاص في العمل فهما سببان رئيسيان للنجاح، أما المبدأ الذي أؤمن به وأختم به كلامي فهو أنه ما من إنسان أراد الوصول إلى هدف ووفر له الأسباب الموضوعية إلا وكان له ذلك، وفي التاريخ الأمثلة الحية عن ذلك إذ لا المراوغة ولا التحايل كانا يوما سببا للنجاح.

الأربعاء، 2 مارس 2011

ماذا عن الخرجات الميدانية ؟

بحديث الأساتذة الكرام عن نظام الأل.أم.دي وخصائصه والظروف التي يجب أن تهيأ لنجاحه والعمل به تتبادر إلى الذهن – ونحن هنا في الجزائر – فكرة محاولة خلق جو مناسب للتكيف مع هذا النظام الجديد رغم المفارقات إن لم نقل التناقضات الصارخة الحاصلة من الجانب العملي الإجرائي بين الدول الغربية ودولنا (دول العالم الثالث!)، وهنا وفي هذا الصدد بالذات أسوق مثالا عن العدد، ففي الدول المتقدمة التي يطبق فيها نظام الأل.أم.دي مثل كندا، فرنسا... تشترط لذلك وجود عدد قليل من الطلبة يتم متابعتهم إلى غاية انتهاء مشوارهم الدراسي فيتخرجون أكفاء مكونين وقادرين على أداء الرسالة، وهذا ما لا نجده عندنا هنا فقولنا أن طلبة العلوم السياسية هنا في الكلية موزعون على 48 فوج، يكونون 4 مجموعات أي أنه في كل مجموعة 12 فوج والفوج الواحد يبلغ في بعض الأحيان 28 طالب، فهذا وحده كاف، ولكن حتى إذا أخدنا بفكرة أن نظام الأل.أم.دي قابل للتكيف مع الظروف والشروط المختلفة، فدعونا هنا نمر على هاته النقطة الحتمية المفروضة ونمر إلى نقطة أخرى أكثر أهمية ألا وهي الخرجات الميدانية، فلما يقال أن هذا النظام يركز على الناحية التطبيقية أكثر منه على النظرية ونحاول من جهة أخرى تطبيقها على الواقع المعمول به نجد العكس تماما، فرغم التذكير الدائم للأساتذة بضرورة الزيارات الميدانية إلا أنه لا بوجد إهتمام على الإطلاق، في الوقت الذي تخصص فيه لمثل هاته المبادرات في الدول المتقدمة ميزانيات كبيرة ، فما المانع من خروج طلبة العلوم السياسية في زيارات ميدانية إلى المجلس الشعبي الوطني "البرلمان"، قصد التعرف على طريقة عمله والإجراءات التي يقوم بها ومم يتكون... خاصة إذا علمنا أن مثل هاته الطريقة هي أكثر ترسيخا للأفكار والمعلومات من تلك النظرية التي تجعل الطالب في معاملة دائمة مع أفكار أقل ما يقال عنها أنها ستاستيكية جامدة! وهذا مع احترامي وتقديري لقيمة العلم حتى لا يفهم شيء آخر.
         أضيف بقولي أنه ومن خلال ممارستي لعملية استقراء ناقص وهذا بعد المحاورات التي أجريتها مع بعض زملائي الطلبة بكل موضوعية اتضح جليا تلك  الرغبة في تنظيم حملات للخروج إلى الميدان فلعل وعسى أن تكون هناك استفادة أكثر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى حتى يصدق قولنا بأننا نتبع نظام الأل.أم.دي قولا وتطبيقا وليس للأول فقط على حساب الثاني، هذا مع التأكيد –بعد المحاورات مع بعض الأساتذة- عن أن مثل هاته المبادرات سوف تنعكس إيجابا على عملية التحصيل العلمي لدى الطلبة، ولذلك نقول: يجب من الآن وصاعدا على الطلبة والأساتذة وبالخصوص الأساتذة رؤساء الأقسام وضع هذه الفكرة نصب أعينهم لتكون قيد الدراسة في أقرب وقت ونتمنى أن تحول إلى مشروع لينعكس إلى فعل وتطبيق على أرض الواقع ويكون انطلاقة جديدة للنهوض بميدان البحث والتحصيل العلمي.

محاضرات "من الأساتذة إلى الأساتذة!"

        تشهد كلية العلوم السياسية والإعلام ببن عكنون في كل مرة تنظيم ملتقيات وندوات يتم فيها التطرق إلى معالجة بعض القضايا المطروحة سواء على الساحة الوطنية أو على الساحة الدولية بحضور العديد من الأساتذة والخبراء والباحثين، وهذا أمر يبعث على البهجة والسرور، لكن المشكل العويص الذي لم يتمكن معظم الطلبة من هضمه هو أن هاته الملتقيات والندوات تكون حكرا على الأساتذة فقط حيث يمنع الطلبة من الحضور رغم أن المواضيع المطروقة حساسة وهي في مستوى تطلعات طلبة قسم العلوم السياسية إذ أنها تعمل على تنمية فكرهم وإمدادهم برؤية موضوعية في مناقشة مختلف المواضيع في هذا الميدان، فمؤخرا فقط تم عقد ملتقى حول "التنمية البشرية في إفريقيا" وكانت فيه –حسب بعض الأساتذة- مداخلات كثيرة خلصت في النهاية إلى وضع مجموعة من النقاط الأساسية، وبعدها بأيام تم حضور وزيرة العدل الفرنسية "رشيدة داتي" إلى الكلية حيث ألقت محاضرة حضرها الأساتذة وبعض طلبة المدارس العليا للعلوم السياسية والصحافة وعلوم الإعلام، والسؤال هنا لماذا يحرم باقي الطلبة –وبالتحديد طلبة الليسانس- من حضور هاته المحاضرات؟ وحتى إذا فسرناها بكثرة عدد الطلبة في الكلية فأضعف الإيمان أن يتم انتقاء عشرة طلبة من كل مجموعة فتحضر هاته المحاضرات ليتم نقلها إلى الآخرين فتعم الفائدة والنفع على الجميع.
        وفي ختام مقالي هذا أناشد المكلفين بتنظيم مثل هاته الملتقيات بفتح الأبواب لجميع الطلبة للحضور إذ أن مجالات وموضوعات العلوم السياسية مفتوحة وهي ليست حكرا على مجموعة دون أخرى وعلى الطالب فيها أن ينهل دون توقف من أجل بناء قاعدة سياسية صلبة تمكنه من العبور إلى المراحل التالية.